الباب المفتوح

Standard

إعتاد أن يتجنبه. إذا لمحه من بعيد تحول إلى شارع اّخر.يتجنب المواعيد التى يمكن أن يسمعه يناديه فيها. لا يريد أن يراه و لا أن يسمعه. و لكن أحيانا لا يسلم من أن يسمعه فيسد أذنيه بالوسائد. يختبئ داخل سريره . يفعل أى شئ المهم أن لا يسمعه.

قد يكون يخَافه . قد يكون يشعر بالذنب عندما يسمعه. و لكن الصوت دائما يحرك مشاعره. كأن أحدا أمسك سكيناً و أخذ يقطع فى قلبه. لم يمر أبدا عليه و وجد بابه مغلقا فى وجهه. بل الباب دائما مفتوحا له أو لغيره ليداوى جرحه و يحتضنه بداخله. قد يكون يذكره بواجبه ليس نحوه هو بل نحو نفسه, نحو حياته و مستقبله. واجب تركه مثل واجبات أخرى أهملها أيضاً. واجبات إعتاد أن يؤديها و أهملها مرة تلو الأخرى حتى نسيها أو بمعنى أدق تناساها. و إذا رأى شيئاً يذكره بها تظاهر بإنه لا يرى شيئاً. لكن لم يستطع أن يتناساه أو يتظاهر بإنه ليس أمامه. فهو يصادفه كثيراً فى طريقه. إذا أهمله صباحا وجده أمامه ظهرا أو مساءاً.

اليوم قرر أن يضع حداً لذلك. يضع حدا لخوفه أو مشاعره أى كان نوعها. يضع حدا لبابه المفتوح دوما. يضع حدا لصوته الذى يخترق أى شئ ليصل إلى أذنيه. إرتدى ملابسه و لبس حذاءه و قبل أن يخطو خارج منزله تذكر ما كان يفعله قبل أن يذهب إليه.
خلع الحذاء و دخل الحمام. نظر لنفسه فى المراّة. أحس أن صورته داخلها مهزوزة. حاول أن يثبت المراّة بيده و لكن أهتزازها إزداد. و كأن المراّة رأت و لأول مرة ما بداخله و ليس مظهره الخارجى و حسب.
أشمر قميصه و غسل يده و فمه و أنفه و وجهه و وذراعه ثم مسح رأسه و قدميه. رفع نظره للمراّة مرة أخرى . رأى شيئا لم يره منذ فترة بعيدة. لم يعره إهتمام و خرج من الحمام. تردد ثانية ثم إرتدى حذاءه و خرج من المنزل متوجهاً إليه ليس شوقاً بل غضباً.

لمحه من بعيد. لمح بابه المفتوح. كم أراد أن يدير ظهره و يبتعد عنه. كم تمنى أن يحدث أى شئ فلا يراه. سمع صوته. سمعه يناديه و يدعوه إليه. و صوت أخر يهمس فى أذنيه إبتعد. لا تذهب إليه . و لكن الصوت الأخير توقف عندما وقف أمامه. وقف كما هو دون أى من أصحابه, دون أحداً من أهله. الغضب تحول إلى الخوف. بل كان خوفاً من البداية مختبئ فى صورة الغضب.

حاول أن يدخل . حاول كالطفل الذى يحاول أن يخطو أولى خطواته. شعر بحاله رجل كان فى طريقه للداخل. فنظر الرجل إليه بإبتسامة هادئة و أمسك بذراعه. نظر للرجل فى خوف بل هول تام. و الرجل ما زال مبتسماً و ممسكا بيده. فتمسك بذراع الرجل و هو يرتعش تماما. خلع حذائه و وضع قدمه داخل الباب. و ما أن دخل حتى تغرغرت عينه بالدموع. أحس كما أن وجد روحه التى كانت ضائعة و مختبئة داخل المسجد بإنتظاره. تخلل إلى نفسه ذلك الشعور. الشعور بالرضا و السعادة و الطمأنينة و الأمان. هذا الشعور الذى لم يحسه من زمن. وضع رأسه على الأرض. مسلما مستسلما تماما لله. متحررا من قيود الدنيا. سجد و أطال السجدة. دعا الله و أخذ يدعو و يدعو. و كان دعائه جملتين لا غير.

اللهم ثبت قلوبنا على الإيماناللهم توفنا و أنت راضٍ عنا

 



Leave a comment