كنت فى طريقى إلى المنزل راكبة سيارتى.. الساعة قرابة الثالثة و النصف ظهرا… لا أصف لكم مدى الزحام و المرور. فقد كان كل شئ و اقفا حتى الشمس وقفت فوق رؤوسنا.
أطفأت المحرك بعد أن يئست أن يتحرك الطريق, فقد مرت نصف ساعة دون ان اتحرك من مكانى شبرا واحدا. نظرت من النافذة و أنا أحدق فى المارين. منهم من هو عائد من عمله و من هم عائدين من مدرستهم. و ابتسمت ابتسامة عادت بى ثلاثين عاما للوراء. ثلاثين عاما تفصل بين لحظتين مختلفين تمام الاختلاف و لم يتفقوا إلا فى التوقيت.
كنت صغيرة و على كتفى شنطة قماش تحوى العلوم. كانت مخططة من اللونين الازرق و الرمادى. و على ظهرى ضفيرة طويلة منتهية بفيونكة بيضاء. تسير إلى جانبى زميلتى –أعز أصحابى فى ذاك الوقت– . لم نكن نركب الاتوبيس سواء فى طريق الذهاب أو العودة من المدرسة. صباحا كنا نسير بجوار النيل السعيد حتى نصل المدرسة. أما فى العودة – خصوصا مثل ذلك الوقت– كنا نتخذ طرقا جانبية بين البيوت حتى نتفادى شمس الصيف. كان قبل بيتنا بشارعين محل عصائر و نشرب كوبا من القصب فيروى ظمأنا ببرودته ويخفف علينا مرارة الايام بحلاوة طعمه.
عندما أصل البيت تلعب أنفى دورا فى إستكشاف الطعام من الدور الأول و تعطى الأمر لمعدتى بالاستعداد. و غالبا كانت تصيب أنفى فقد كان أكل أمى معروف فى الحارة كلها برائحته الشهية. أجرى على السلالم و أقف أمام باب شقتنا. ياااه تذكرته كان خشبيا و ثقيلا جدا و بمنتصفه وجه أسد يمسك بحلقة من الحديد فى فمه. أمسك الحلقة و أطرق الباب بشدة لكن أخى الصغير يقف خلف الباب و يعذبنى حتى يفتحه لى. و بمجرد أن يفتح الباب يجرى من أمامى قبل أن أنقض عليه. أجرى وراءه و أدخل الغرفة فيفاجئنى من خلف الباب و يتسلق ظهرى. أدور به فى وسط الغرفة حتى يصيبنا الدوار و أرميه فوق السريرفيضحك بشدة و يزداد الضحك إذا أرتميت فوقه لاكتم أنفاسه. نسيت أن اغلق باب الشقة …اجرى بسرعة قبل أن تعلم أمى بذلك. يقف العفريت الصغير جانبى و يضحك و هو يحاول أن يشى بى.
أذهب لأمى فى المطبخ و أمدح فى رائحة الطعام الشهية. و عندما تدير ظهرها أحاول أن أخذ أى شئ من الطعام فتباغتنى ضربة على يدى. تصرخ أمى فى لأغير ملابسى أولا. أجرى على الغرفة و أنا أضحك و العفريت الصغير يضحك أيضا–شماتة-.
أخرج مرتدية جلبابى القطنى لأجد على الطابلية ما لذ و طاب. أجلس و لا أنتظر أحدا فقد بدأت مهمة أخرى لى الان. بعد أن أنهى مهمتى أغلق شباك الغرفة فتخف الإضاءة و تصبح مريحة للأعصاب. أحاول أن أصعد فوق السرير. كان السرير له عمدان و ناموسية من القماش الابيض و كان عاليا فاضطر أن اقف فوق على شئ حتى أتسلقه. عندما أنجح أخيرا أقف لأنزل الناموسية. ثم أرتمى على السرير. يصعد العفريت الصغير لينام إلى جانبى. أأخذه فى حضنى و ننام. ياااه كم إشتقت لنومة العصارى تلك و أخى إلى جانبى و الأجمل عندما كانت تشاركنا أمى و تضمنى أنا و أخى.
بيييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييب
فجأة تنبهت لصوت أبواق السيارات التى أظن أصحابها أرادوا أن يضربونى. حركت السيارة و انطلقت و لكن البسمة التى على وجهى ما زالت مرسومة عندما صحى الماضى فى قلبى.
Sarah Samir